فصل: تفسير الآيات (1- 3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (80- 82):

{تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)}
{تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي القرآن منزل من عند رب العالمين. سُمِّي المنزل: تنزيلا على اتساع اللغة، كما يقال للمقدور: قَدْر، وللمخلوق: خَلْق. {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ} يعني القرآن {أَنْتُم} يا أهل مكة {مُدْهِنُونَ} قال ابن عباس: مكذبون. وقال مقاتل بن حيان: كافرون نظيره: {ودُّوا لو تدهن فيدهنون} [القلم – 9] والمدهن والمداهن: الكذاب والمنافق وهو من الإدهان وهو الجري في الباطن على خلاف الظاهر هذا أصلهُ، ثم قيل للمكذب: مدهن وإن صرح بالتكذيب والكفر. {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} حظكم ونصيبكم من القرآن {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} قال الحسن في هذه الآية: خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب به. وقال جماعة من المفسرين: معناه وتجعلون شكركم أنكم تكذبون.
وقال الهيثم بن عدي: إن من لغة أزد شنوءة: ما رَزَق فلان بمعنى ما شكر وهذا في الاستسقاء بالأنواء، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا مطروا: مُطِرْنا بنَوْء كذا، ولا يرون ذلك من فضل الله تعالى، فقيل لهم: أتجعلون رزقكم، أي: شكركم بما رزقتم، يعني شكر رزقكم التكذيب، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن زيد ابن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب». ورواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد: فنزلت هذه الآية {فلا أقسم بمواقع النجوم} إلى قوله: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [الواقعة – 82].
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثني محمد بن سلمة المرادي حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث، أخبرنا أبو يونس حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين، ينزل الله تعالى الغيث فيقولون: مطرنا بكوكب كذا وكذا».

.تفسير الآيات (83- 89):

{فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89)}
قوله عز وجل: {فَلَوْلا} فهلا {إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} أي بلغت النفس الحلقوم عند الموت. {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} يريد وأنتم يا أهل الميت تنظرون إليه متى تخرج نفسه. وقيل: معنى قوله: {تنظرون} أي إلى أمري وسلطاني لا يمكنكم الدفع ولا تملكون شيئا. {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} بالعلم والقدرة والرؤية. وقيل: ورسلنا الذين يقبضون روحه أقرب إليه منكم {وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} الذين حضروه. {فَلَوْلا} فهلا {إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} مملوكين وقال أكثرهم: محاسبين ومجزيين. {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي تردون نفس هذا الميت إلى جسده بعدما بلغت الحلقوم فأجاب عن قوله: {فلولا إذا بلغت الحلقوم} وعن قوله: {فلولا إن كنتم غير مدينين} بجواب واحد. ومثله قوله عز وجل: {فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم} [البقرة- 38] أجيبا بجواب واحد، معناه: إن كان الأمر كما تقولون- أنه لا بعث ولا حساب ولا إله يجازي- فهلا تردون نفس من يعز عليكم إذا بلغت الحلقوم، وإذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر إلى غيركم وهو الله عز وجل فآمنوا به. ثم ذكر طبقات الخلق عند الموت وبين درجاتهم فقال: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} وهم السابقون. {فَرَوْح} قرأ يعقوب {فروح} بضم الراء والباقون بفتحها، فمن قرأ بالضم، قال الحسن معناه: تخرج روحه في الريحان، وقال قتادة: الروح الرحمة أي له الرحمة، وقيل: معناه فحياة وبقاء لهم.
ومن قرأ بالفتح معناه: فله رَوْح وهو الراحة، وهو قول مجاهد. وقال سعيد بن جبير: فرح. وقال الضحاك: مغفرة ورحمة.
{وَرَيْحَانٌ} استراحة. وقال مجاهد وسعيد بن جبير: رزق. وقال مقاتل: هو الرزق بلسان حمير، يقال: خرجت أطلب ريحان اللهُ أي رزق الله.
وقال آخرون: هو الريحان الذي يشَمُّ. قال أبو العالية: لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه ثم تقبض روحه.
{وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} قال أبو بكر الوراق: الرَّوح النجاة من النار، والريحان دخول دار القرار.

.تفسير الآيات (90- 92):

{وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92)}
{وَأَمَّا إِنْ كَانَ} المتوفى {مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} أي سلامة لك يا محمد منهم فلا تهتم لهم، فإنهم سلموا من عذاب الله أو أنك ترى فيهم ما تحب من السلامة.
قال مقاتل: هو أن الله تعالى يتجاوز عن سيئاتهم ويقبل حسناتهم.
وقال الفراء وغيره: مسلَّم لك أنهم من أصحاب اليمين، أو يقال لصاحب اليمين: مسلَّم لك إنك من أصحاب اليمين وألفيت إن كالرجل يقول إني مسافر عن قليل، فيقول له: أنت مصدق مسافر عن قليل، وقيل: {فسلام لك} أي عليك من أصحاب اليمين. {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ} بالبعث {الضَّالِّينَ} عن الهدى وهم أصحاب المشئمة.

.تفسير الآيات (93- 96):

{فَنزلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)}
{فَنزلٌ مِنْ حَمِيمٍ} فالذي يعد لهم حميم جهنم. {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} وإدخال نار عظيمة. {إِنَّ هَذَا} يعني ما ذكر من قصة المحتضرين {لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} أي الحق اليقين أضافه إلى نفسه. {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قيل: فصلِّ بذكر ربك وأَمْرِه وقيل: الباء زائدة أي فسبح اسم ربك العظيم.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرنا ابن فنجويه، أخبرنا ابن أبي شيبة، حدثنا حمزة بن محمد الكاتب، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن أيوب الغافقي عن عمه وهو إياس بن عامر، عن عقبة بن عامر الجهني قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {فسبح باسم ربك العظيم} قال: «اجعلوها في ركوعكم» ولما نزلت: {سبح اسم ربك الأعلى} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في سجودكم».
أخبرنا أبو عثمان الضبي أخبرنا أبو محمد الجراحي حدثنا أبو العباس المحبوبي حدثنا أبو عيسى الترمذي حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، قال أخبرنا شعبة عن الأعمش قال: سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن المُسْتَوْرِد، عن صِلَةَ بن زُفَر، عن حذيفة، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه: «سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى، وما أتى على آية رحمة إلا وقف وسأل، وما أتى على آية عذاب إلا وقف وتعوذ».
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا محمد بن فضيل، أخبرنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم».
أخبرنا أبو نصر محمد بن الحسن الجُلْفري حدثني أبو القاسم تمام بن محمد بن عبد الله الرازي بدمشق، حدثنا علي بن الحسين البزاز وأحمد بن سليمان بن حَذلَم وابن راشد قالوا: أخبرنا بكار بن قتيبة، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا حجاج الصواف عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. «من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة».
أخبرنا عبد الواحد المليحي قال أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني السري بن يحيى أن شجاعًا حدثه عن أبي طيبة عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدًا» وكان أبو طيبة لا يدعها أبدا.

.سورة الحديد:

مدنية وآياتها تسع وعشرون.

.تفسير الآيات (1- 3):

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يحْيِي وَيمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)}
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} يعني هو {الأول} قبل كل شيء بلا ابتداء، كان هو ولم يكن شيء موجودًا {والآخر} بعد فناء كل شيء، بلا انتهاء تفنى الأشياء ويبقى هو، {والظاهر} الغالب العالي على كل شيء {والباطن} العالم بكل شيء، هذا معنى قول ابن عباس.
وقال يمان: {هو الأول} القديم {والآخر} الرحيم {والظاهر} الحليم {والباطن} العليم.
وقال السدي: هو الأول ببره إذ عرَّفك توحيده، والآخر بجوده إذْ عرَّفك التوبة على ما جنيت، والظاهر بتوفيقه إذْ وفقك للسجود لهُ والباطن بستره إذْ عصيته فستر عليك.
وقال الجنيد: هو الأول بشرح القلوب، والآخر بغفران الذنوب، والظاهر بكشف الكروب، والباطن بعلم الغيوب. وسأل عمر- رضي الله تعالى عنه- كعبًا عن هذه الآية فقال: معناها إن علمه بالأول كعلمه بالآخر، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن.
{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغفار بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثني زهير ابن حرب، حدثنا جرير عن سهيل قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول: «اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقضِ عني الدين واغنني من الفقر». وكان يروى ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآيات (4- 7):

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)}
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} يخاطب كفار مكة {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} مملَّكين فيه: يعني: المال الذي كان بيد غيرهم فأهلكهم وأعطاه قريشًا فكانوا في ذلك المال خلفاء عمن مضوا. {فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}.

.تفسير الآيات (8- 10):

{وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنزلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)}
{وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} قرأ أبو عمرو: {أُخِذ} بضم الهمزة وكسر الخاء {ميثاقُكم} برفع القاف على ما لم يسمَّ فاعله. وقرأ الآخرون بفتح الهمزة والخاء والقاف، أي: أخذ الله ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر آدم عليه السلام بأن الله ربكم لا إله لكم سواه، قاله مجاهد.
وقيل: أخذ ميثاقكم بإقامة الحجج والدلائل التي تدعو إلى متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} يومًا، فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لقيام الحجج والإعلام ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن. {هُوَ الَّذِي يُنزلُ عَلَى عَبْدِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} يعني القرآن. {لِيُخْرِجَكُم} الله بالقرآن {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} وقيل: ليخرجكم الرسول بالدعوة من الظلمات إلى النور أي من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان {وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} {وَمَا لَكُمْ أَلا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} يقول: أي شيء لكم في ترك الإنفاق فيما يقرب من الله وأنتم ميتون تاركون أموالكم ثم بين فضل من سبق بالإنفاق في سبيل الله وبالجهاد فقال: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ} يعني فتح مكة في قول أكثر المفسرين، وقال الشعبي: هو صلح الحديبية {وَقَاتَلَ} يقول: لا يستوي في الفضل من أنفق ماله وقاتل العدو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة مع من أنفق وقاتل بعده {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} وروى محمد بن فضيل عن الكلبي أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- فإنه أول من أسلم وأول من أنفق ماله في سبيل الله. وقال عبد الله بن مسعود: أول من أظهر إسلامه بسيفه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب، أخبرنا محمد بن يونس، حدثنا العلاء بن عمرو الشيباني، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، حدثنا سفيان بن سعيد عن آدم بن علي عن ابن عمر قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق رضي الله عنهُ، وعليه عباءة قد خلَّها في صدره بخلال، فنزل عليه جبريل فقال: مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال؟ فقال: «أنفق ماله عليَّ قبل الفتح» قال: فإن الله عز وجل يقول: اقرأ عليه السلام وقل له: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك: أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال أبو بكر: أأسخط على ربي؟ إني عن ربي راضٍ إني عن ربي راضٍ».
{وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} أي كلا الفريقين وعدهم الله الجنة. قال عطاء: درجات الجنة تتفاضل، فالذين أنفقوا قبل الفتح في أفضلها. وقرأ ابن عامر: {وكلٌّ} بالرفع {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.